La technologie au service de la nature
لو كان للمرء أن يقف عند إحدى التداعيات التكنولوجية الكبرى للحرب الباردة بين شرق العالم وغربه، لاستوقفته حتما منظومات التنصت والمراقبة والتجسس التي صممها المعسكران وأقاماها لاختراق الأنظمة المعلوماتية والاتصالاتية لبعضهما البعض في العلن تارة وفي الخفاء تارات أخرى. ولئن كان من المتعذر، في إبانه على الأقل، الاطلاع على الكيفية التي تعمل بها هذه المنظومة أو تلك أو معرفة الرموز المعتمدة لتشغيل كل منهما، فإنه قد أصبح من الممكن بعد ذلك بعقود اكتشافها والاطلاع على جزء كبير من خباياها. لا يعتبر نظام إيشلون أقوى تلك المنظومات إطلاقا كونه يتوفر على قدرات تقنية ولوجيستيكية هائلة في التقاط المعلومات وتخزينها واستغلالها، بل وأيضا لأنه تجسيد حقيقي للعمل المشترك بين الاستخبارات الأمريكية والعديد من وكالات الاستخبارات العالمية ذات المصالح المتقاطعة. وإذا كان النظام (نظام إيشلون) قد خرج من رحم وكالة الأمن القومي بداية الخمسينات بغرض حماية المكالمات الحكومية والعسكرية أساسا، فإنه تكفل أيضا بالتجسس المضاد ذي الصبغة المدنية الخالصة، ليتحول مع مرور الزمن إلى شبكة ضخمة، مندمجة، متكاملة العناصر التقنية وذات طابع شمولي. ومعنى هذا أن إيشلون إنما هو قلب منظومة من الأقمار الصناعية (الدولية والجهوية والوطنية) تلتقط معظم أنواع المعلومات المتداولة بشبكات الاتصالات، تعالج بمحطات ضخمة بكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا وألمانيا ونيوزلندا وغيرها، لتتمركز بين يدي وكالة الأمن القومي (إن.إس.إي) التي تقوم على فرزها وتصنيفها وتحديد درجة أهميتها. هو نظام متناسق البنية، مرتكز على أقمار صناعية عالية الدقة، على محطات هوائية كبرى وعلى لاقطات لكل أشكال المكالمات الهاتفية (كما بالفاكس والتلكس) وكل المراسلات الألكترونية وكل الرموز المتداولة عبر الهواتف النقالة وما سواها. بالتالي، فهو لا يعترض كل الإشارات الكهرومغناطيسية المقتنية للشبكات فحسب، بل ويخترق حتى المشفر منها ليضعها رهن حواسيب ضخمة مصممة في الأصل لالتقاط (وتخزين) ومراقبة مليوني مكالمة في الدقيقة يقوم عليها جيش من المهندسين والمحللين والفيزيائيين وعلماء رياضيات ولغويون ومعلوماتيون وخبراء في العلاقات العامة وضباط أمن وخبراء في فك الرموز المشفرة وإداريون وعلماء نفس وما سواهم من مهن